دور المؤسسات الإعلامية في غرس قيم الوحدة الوطنية:
يعرف الإعلام لغة على أنه " الإطلاع على الشيء ، فيقال ، اعلمه بالخبر ، أي أطلعه عليه . والإعلام اصطلاحاً : هو عملية تفاهم تقوم علي تنظيم التفاعل بين الناس وتجاربهم في الآراء فيما بينهم وهو في هذه الحالة ظاهرة الحضارة الحديثة وجعلتها خطيرة ودعمتها بإمكانات عظيمة حولها قوة لا يستغني عنها لدي الشعوب والحكومات علي حد سواء . أما عنـاصر الإعلام فهي تتمثل في " المرسل ، والمستقبل ، والأداة ، والرسالة([1] ) . ومن خلال هذا التعريف فإن الإعلام هو أساساً مفهوم يعتبر بشكل مباشر على عملية التفاعل بين المرسل والمستقبل من خلال أداة محددة لنقل الرسالة . فالمرسل يقوم بإرسال رسالة إلى المستقبل عن طريق أداة محددة . وتختلف الأدوات الإعلامية باختلاف طبيعتها ، وتختلف أيضاً باختلاف تأثيرها ، وتختلف من جانب أخر من حيث حداثتها وقدمها . فهناك وسائل إعلامية متعددة حديثة وقديمة تنقل فيها رسالة ويتم استقبالها والتأثر بها وفقاً لاعتبارات متعددة منها درجة أو قوة جذب وتأثير هذه الأداة ، والظروف المحيطة التي تعرض فيها المؤثرات ، وكذلك ترتبط بشكل كبير جداً بالمستقبل والظروف المحيطة به ، وطبيعة هذا المستقبل الشخصية والسلوكية. فالأدوات والوسائل الإعلامية باختلاف أشكالها لها تأثيرات متعددة ومتفاوتة باختلاف طبيعتها كأداة ، وباختلاف مستقبلها . فهناك على سبيل المثال جهاز التلفاز ، والمذياع ، والصحف ، والانترنت ، والفضائيات ، وغيرها من الوسائل تقوم بأدوار مختلفة ومتفاوتة في عملية التأثير.
فهذه الوسائل والأدوات الإعلامية تقوم بدور رئيسي وجوهري في غرس القيم ، والتأثير على السلوك الإنساني من خلال استقبال ما تعرضه هذه الوسائل . وعلى حد قول العـالم النفسي هوفمان عند إشارته للأبناء وتأثير وسائل الإعلام عليهم الذي أشار إلى أن الأبناء عندما يقفون أمام أجهزة الإعلام ، فأنهم كقطعة الإسفنج التي تمتص ما تتعرض له . ويضيف إلى أن المؤسسات الإعلامية تؤثر على الفرد بشكل كبير وبالتحديد الأطفال ، ويعتلى هذا التأثير على تأثيرات أخرى . وقد لا يكون كل ما يعرض في هذه الوسائل الإعلامية مقبول للمجتمع ، وبالتحديد ما يتم عرضه في القنوات الفضائية والتي قد تخلق وتنشأ من خلالها بعض القيم والمعتقدات المتعارضة مع قيم المجتمع([2] ) .
فوسائل الإعلام المتعددة تسهم بشكل كبير ومباشر على غرس القيم الاجتماعية المتعددة . وليس هناك أدنى شك من تأثيرها البالغ والجم على القيم ذات العلاقة والارتباط بمفهوم الوحدة الوطنية وتعزيز قيم المواطنة . فمن أبرز أهداف وسائل الإعلام بشكل عام هو " تثبيت القيم والمبادئ والاتجاهات العامة والمحافظة عليها([3]) ، فهي ـ أي وسائل إعلام ـ تكون قادرة بشكل كبير على تثبيت تلك المبادئ والاتجاهات المرتبطة بقيم المواطنة والوحدة الوطنية من خلال استخدام أساليب متعددة ومتنوعة من الممكن الأخذ بها .
وقد يتم استخدام الأساليب المباشرة وغير المباشرة المتعددة في تعزيز قيم المواطنة والوحدة الوطنية . ولنأخذ على سبيل المثال تلك البرامج الإعلامية التعليمية الموجهة للأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية . فمن المعروف أن مجتمع الولايات المتحدة الأمريكية هو من أكثر المجتمعات العالمية التي تشمل تعدداً ثقافياً ، ووجود هذا المزيج الكبير من الثقافات المختلفة نتيجة لحداثة هذا المجتمع الذي اعتمد في تكوين بناءه الاجتماعي الهجرات السكانية المتعددة. فمن المعروف أن المجتمع الأمريكي يشمل على ثقافات مختلفة مثل الأمريكان السود، والأمريكان الأصليين ، والأمريكان الآسيويين ، والمنحدرين من أصول أوربية وغيرهم من هذا الهجين الثقافي . ولعل البرامج الإعلامية الموجهة بالتحديد للأطفال قد لامست هذا الهجين في سبيل تحقيق هدف خلق التجانس العام للمجتمع . فالبرامج الموجهة للأطفال مثل برنامج افتح يا سمسم ، وبرنامج " بارني" على سبيل المثال هي من البرامج التعليمية والقيمية التي يحاول من خلالها المشرفون عليها بتعليم الأطفال بعض المهارات الحياتية ، وكذلك ترسيخ مجموعة من القيم الحميدة مثل الاحترام ، والتعاطف ، ونشر الود والمحبة والتسامح وغيرها من هذه القيم . فتستخدم هذه البرامج الطرق المباشرة في عملية التعليم . ولكنها من جانب أخر ، وفي موضع مختلف تعلم بطريقة غير مباشرة . فالامتزاج الثقافي للشخصيات التي تظهر في هذين البرنامجين واسعي الانتشار هي شخصيات تجسد واقع المجتمع وأصول أفراده باختلاف ثقافاتهم المتعددة ، حيث نجد أن هذه الشخصيات يتحاور فيها من هو منحدر من أصول أمريكية خالصة ، مع الأمريكي الأسود، والأمريكي الآسيوي ، والأمريكي المنحدر من الجذور الأوربية . فشخصيات مزيجه ثقافياً تظهر بشكل واضح داخل هذين البرنامجين التعليمية . فقد حرص القائمون والمعدون لمثل هذه البرنامجين باستخدام الأساليب التربوية في غرس قيم المواطنة والانتماء للمجتمع الأصلي وهو المجتمع الأمريكي . فيتم التحاور والتناقش وعرض للمفاهيم التربوية بصورة متناغمة بين هذه الشخصيات والتي تعزز في النهاية مفهوم الوحدة الوطنية للمجتمع الأمريكي . فوجود هذه البرامج والمخصصة للأطفال ولهذه الشريحة اتجاهاً محدداً نحو الهدف من أقامة مثل هذه الوسائل الإعلامية التي تحقق غاية محددة تغرس في نفوس الأطفال .
فالوسائل الإعلامية تؤدي وظيفة هامة للمجتمع ولغرس القيم في سلوك الأفراد . وقد حدد عالما الاتصال لازر سيفلد ، وميرتون بعض الوظائف الخاصة بوسائل الإعلام . فقد أشار إلى أن من أهم وظائف وسائل الإعلام هو تبادل الأفكار والآراء بين أفراد المجتمع ، وتدعيم المعايير الاجتماعية من خلال معاقبة الخارجين عن هذه المعايير ، وأخيراً التحذير الذي يقصد به تجنب الآثار غير المرغوب فيها للمجتمع([4] ). ولتطبيق ما أشار إليه العالمان من هذه الوظائف على غرس قيم المواطنة والوحدة الوطنية ، فإن تبادل الآراء والأفكار على سبيل المثال بين أفراد المجتمع الواحد وبين الشرائح الاجتماعية المختلفة هو من أبرز الوظائف الإعلامية ، في التي تقرب وجهات النظر المرتبطة بالوحدة الوطنية إذا تمت أدارتها بطريقة علمية.
فالعملية تحتاج بشكل عام على تحديد هدف واضح ، وسوف يخلق هذا التواصل والتبادل الفكري والإيديولوجي إلى تحقيق الهدف المنشود . فهناك حاجة ماسه لوجود قنوات وبرامج إعلامية متسعة تناقش هذا الموضوع ويتبادل حوله الرأي . وكذلك وظيفة الإعلام هو " تدعيم المعايير الاجتماعية من خلال معاقبة الخارجين عن هذه المعايير " . فالإعلام يجب أن يكون مسئولاً عن دعم المعايير الاجتماعية المرتبطة بالوحدة الوطنية ، وأن يسهم الإعلام في محاربة ومعاقبة جادة لأي من تسول له نفسه المساس بالقيم المرتبطة بهذه الوحدة . وأن يكون مثالاً ونموذجاً جاداً للعقاب الاجتماعي في هذا الجانب ، ولك في الوقت نفسه أن يكون هذا العقاب بعيداً عن المبالغة والغلو . هذا بالإضافة إلى وظيفة التحذير من الآثار غير المرغوب بها ، والآثار التي تثير الفتنة الطائفية على سبيل المثال وتخلق مشكلات تهز من كيان هذا المجتمع . فهذه وظائف رئيسية للمؤسسات الإعلامية المختلفة ، والتي تقوم بدور أساسي لتعزيز قيم المواطنة .
هذا بالإضافة إلى وسائل الإعلام المختلفة كما يشير فوزي الهنداوي([5]) أنها " تراقب البيئة الاجتماعية وتزودها بالمعلومات والتنبيه بالمخاطر ، وتخلق المثل الاجتماعي وذلك من خلال تقديم بعض النماذج الايجابية في مختلف الأمور ، وكذلك تحقق التواصل الاجتماعي من خلال التعبير عن الثقافة السائدة والكشف عن الثقافات الفرعية ودعم القيم الشائعة ، وأخيراً التعبئة والتي تتمثل في الإسهام في الحملات الاجتماعية ، وبصفة خاصة في الأزمات السياسية والاقتصادية والحروب .
فعملية تزويد البيئة والمحيط الاجتماعي بالمعلومات والتنمية في المخاطر تعد قضية أساسية تقوم بها وسائل الإعلام المختلفة ولا سيما تلك التي تتعلق بالوطن والمخاطر الداخلية والخارجية المحدقة به ، وهي التي تخلق بشكل عام شعور بالمسئولية المشتركة . وكذلك الحال يفترض على الإعلام أن يبرز ويقوم النماذج الايجابية في الأمور العامة ، ووضع التصور الامثل لحالة المجتمع بوجود الفئات والشرائح المتجانسة . وتخلق أيضاً وسائل الإعلام التواصل الاجتماعي ودعم القيم الشائعة بتمازج تام مع كافه شرائح المجتمع وفئاته المتعددة . فخلق التواصل الاجتماعي هو الذي يعكس الثقافة الواحدة هذا بالإضافة إلى دور الوسائل الإعلامية وقت الأزمات والمحن التي يمر بها المجتمع ، والتي تنطلق منها التعبئة العامة وتقوية العزيمة ، ورفع الروح المعنوية . وكذلك قيامه وإسهامه في الحملات الوطنية الداعمه للقيم الوطنية . فهي إسهامات واضحة ومميزة للإعلام داخل المجتمع ، والذي يعكس من خلاله غرس لقيم المواطنة والانتماء والوحدة الوطنية .
والإعلام له دور بارز هام في حياة المجتمع ، إضافة إلى كونه يعتبر من ابرز الأدوات الرئيسية للتنشئة الاجتماعية في المجتمع المعاصر . والسؤال ينبغي هنا في تحديد مدى نجاح الإعلام المحلي الرسمي وغير الرسمي في خلق بيئة مناسبة مهيأة لمواجهة الأخطار التي تحدق بالمجتمع فيما يتعلق بالوحدة الوطنية . أن الإجابة على هذا السؤال تتضمن أدراك أنه متى ما استطاع الإعلام المحلي من تحقيق هذه الوظائف بشكل مناسب لأي مجال من المجالات المختلفة وبالتحديد المجال المرتبط بالوحدة الوطنية ، فإنه في الوصول إلى الهدف المنشود دون شك.
[1] ) محمد الشناوي . التنشئة الاجتماعية للطفل . عمان : دار صفاء للنشر والتوزيع ، 2001 ، ص 215 .
[2] ) حسن بن عايل أحمد يحيي . رؤى حول التربية والإعلام وادوار المناهج لتنمية التفكير في مضاميني الإعلام لتحقيق التربية الإعلامية ورقة مقدمة للمؤتمر الدولي الأول للتربية الإعلامية ، المكانة العربية السعودية .
[3] ) محمد الشناوي وآخرون . التنشئة الاجتماعية للطفل . مرجع سابق . ص 216 .
[4]) فوزي هادي الهنداوي . واثر الخطاب الإعلامي في القيم الاجتماعية . السلطة الرابعة . ( عبر شبكة المعلومات )
www . siiron line . org / ahabwab / solata 4 (7 ) 128 .htm .
[5] ) المرجع السابق
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire